قانون التصنيف


مصدرالصورة
تعود بي الذكريات إلى المدرسة ,,, فأتذكر كيف كانت المعلمات توزّع  أسماءنا  في قوائم الصفوف في بداية كل عام ,,, كان التصنيف يبدأ بالمتفوقين و ينتهي بالملزمين على الدراسة , أو كارهينها لأسباب عدة قد تكون المعلمة الصف أولها.
كنت أعتقد أنه التصنيف الوحيد الذي سأواجهه في الحياة ،،، و لكن سرعان ما تعرفت على تصنيف الفرع للمرحلة الثانوية ,, العلمي و الأدبي و التجاري و الصناعي و التمريض .... الخ ,,, أذكر أنني كتبت في الإختيار الاول علمي و الثاني تجارة و الثالث صناعي ,,, لا أذكر لماذا؟؟ لكن أتذكر أنني  لم آخذ  الموضوع على محمل الجد في ذلك الوقت.
 و بعد عامين كان عليّ أن أقف أمام تصنيف جديد و هو تخصصي الجامعي ,,, كان السؤال الذي يُطرح : مع أي فئة ترغبي بالجلوس ؟؟ ثم تبدأ قصص كانت تروى عن كل فئة من وجهة نظر و تجربة خاصة بحتة ,,,, فتربعت فكرة في مخيلتي بأنّ الناس تُصنف بحسب دراستها الجامعية أو بحسب مهنها ,, في ذلك الوقت اعتبرته تصنيفٌ عادل إذا كان هذا اختيار الشخص و لم يُفرض عليه.
 و مضت الأيام و اكتشفت الحقيقة ,, حقيقة أن المهنة و الدراسة في مجتمعنا العربي فرض لا اختيار في معظم الأحيان,,, لأن  الإجابة عن سؤال : لماذا اخترت هذا التخصص؟ يكون : هذا ما حصلت عليه عند تقديم الطلب ,,, شعرت حينها بأنه تصنيف هدّامٌ للطموحات,, قاتلٌ للأحلام,,, سالبٌ لخيالات الشباب في بعض الأحيان. 
فتساءلت: هل هذا هو التصنيف الوحيد في عالمنا العربي ؟؟؟ هل ورقة كُتب عليها اسمي و تخصصي الجامعي و عليها أختام الجامعة هو تصنيفي في المجتمع ؟, هل يجدر بي أن أعّرف عن نفسي بإسم تخصصي لا بإسمي ؟؟ ,,, أي مجتمع هذا ؟؟؟!!!
 مضت الأعوام و بدأت أحاول أن أوقع معاهدة سلام مع هذا التصنيف ,,, و قبل الموعد المحدد للتوقيع كانت الفاجعة العظمى ,,, كانت الأرض تهتز أسفل قدماي, لأنني اكتشفت أنّ مجتمعي يُصنّف الناس بحسب عروقهم و أصولهم ,,, كيف نصنف شخص بأشياء لم يخترها ؟؟ ,,, لم أختر أمي و لا أبي ,,, حتى لم أختر مكان ولادتي و لا أصل الدم الذي يمشي في عروقي ,,,, للحظة تبادر إلى ذهني فكرة بلهاء ,,, إذا كان بوسعي سحب دمي و استبداله بدم شخص يسكن في البلد الفلاني و حامل للجنسية الفلانية  ,,, هل يتغير تصنيفي ؟؟؟ هل أصبح شخص آخر؟؟؟؟ ,,, و بذلك أكون اخترت تصنيفي واعتبرته عادلاً.
 لم يكتفي التصنيف عن المفاجآت,,, حُطّم قانون التصنيف في داخلي حين وجدته يصنّف الناس بديانتهم و طوائفهم.
 لم أجد في أي من قوانين التصنيف شيءٌ مقنع لتفكيري المتواضع ,,, أما السؤال المطروح كيف يجدر بي أن أُعرّف عن نفسي ,,, ديني أم وطني أم مكان ميلادي أم مهنتي أم شهادتي الجامعية؟!!! ,,, أيّهم الأول و من الثاني و الثالث؟!!! ,,,,, هل لإسمي مكان في هذا التعريف ؟؟ هل لحلمي و شخصيتي واجتهادي مكان ؟؟؟ أم هي أوهام رسمها لي شبح التصنيف الذي أخاف!! ,,, و ما زال قانون التصنيف يخبئ المزيد و المزيد من المفاجعات و لا أعلم إن كان عقلي سيدركها أم  لا,,,

Comments

Popular posts from this blog

رحيل اضطراري

الخريف

همسات الإنتظار

شكراً لكونك أنت