عُملةٌ زائفة



توقفت سيارتها أمام العمارة فتحت بابها وضعت قدمها اليسرى على الأرض ثم اليمنى ... نزعت حذاءها الأسود و وقفت ... أغلقت باب السيارة بقدمها و سحبت معطفها الأحمر على الأرض كان شعرها يغطي وجهها ... استقلت المصعد إلى الطابق الرابع ... فتحت باب شقتها ... ألقت الحذاء و المفتاح و الحقيبة على الارض و أغلقت الباب بقدمها اليمنى ... أغلقت سلسلة الباب ... وسارت أربع خطوات و سقطت على الأرض ...
  طوت ركبتيها إلى جسمها و أغلقت يداها على جسمها ... و أغمضت عيناها محاولة سرقة النوم ... مرت ساعة و لم تغف ...  فتقلبت نحو الجانب الأيسر لعل النوم ينتظرها هناك و لكنه لم يأتي ... لم يبقى سوى محاولة النوم على الظهر ... فلم تستطع أن تغمض جفنيها، وأمعنت النظر في السقف الذي كان يعج بالصور ... تنهدت و قررت التوجه نحو غرفتها و تغيير ملابسها لعل النوم يأتي ...
لم تستطع الوقوف فزحفت على أطرافها كالطفلة لم تكمل السنة من عمرها، استبدلت فستانها الرمادي بملابس النوم الزرقاء و مدت جسدها على السرير تقلبت من جانب إلى آخر و من وضعية إلى أخرى دون جدوى لم تستطع النوم و لا التوقف عن التفكير و اللوم ...
إنها السادسة صباحا بدأت الأنوار تسطع من النوافذ تحمل في طياتها أحلام يوم جديد ... توجهت إلى المطبخ فتحت الثلاجة و أخرجت الحليب ، وضعته في كوب توقفت تراقب حافلات المدارس و لكن من خلف الستارة وكأنها تخشى أن يراها أحد ... مرت ساعتان من الوقت و خيم الصمت من جديد ...
 توجهت إلى الصالة ألقت بجسدها المتعب على كنبة سوداء و تحت رأسها وسادة حمراء و في يدها اليمنى جهاز التحكم بالتلفاز أخذت ترحل من قناة إلى أخرى مرت بجميع القنوات ثلاث مرات و الزمن لم يمضي منه سوى ساعتين  ... بدأت تشعر بالنعاس ... ليتسلل النوم الى عينيها... نامت نصف ساعة لتستيقظ مفزوعة على صوت زائر غير متوقع ....إنه المطر ...
 خرجت مسرعة إلى الشرفة حافية القدمين توقفت و رفعت وجهها إلى السماء فاختلط المطر بملامح وجهها ، كتبت ملايين الكلمات والأسماء بحبات المطر و توقفت عند كلمة لم تستطع ان تكملها كتبت :خي.... و توقفت ثم مسحتها دون ان تشعر ...  ازداد المطر قوة و ازداد الدمع في عينها فاختلطت ملوحة الدمع و عذوبة المطر ... توقف المطر فعادت أدراجها و استبدلت ملابسها المبللة بملابس باردة لا روح فيها و جلست على الكنبة من جديد ...
رنين الهاتف يعلو عدة مرات ولا مجيب ... حتى لم تفتح الباب للطارق المجهول ... أمضت بقيت اليوم جالسة لا تتحرك ... إنه الليل مجددا ...الجميع غارقون في الاحلام و هي غارقة في سرد الذكريات ... لم تختلف الليلة عن سابقتها و لا اليوم التالي عن  الأمس ... مر من الوقت ثلاثة أيام أمضتها في تركيب حياتها و كأنها لعبة مفككة تحتاج إلى تجميع بحثت عن الأولويات و الالتزامات ثم الكماليات ،غرقت في لوم نفسها و التماس الأعذار للغير و تساءلت ؟ هل كنت سببا في ابتسامتهم أم دمعتهم ؟؟ هل قلبي أسود أم أبيض؟ هل أنا جلاد أم لص؟ و هل ؟؟ و هل؟؟ كان رأسها الصغير يعج بملايين الأسئلة... كانت تجد الجواب أحيانا في صورة من الماضي و أحيانا يبقى السؤال بلا جواب ...
 و في صبيحة اليوم الرابع ... استيقظت من نومها فتحت الستارة الوردية لتدخل الشمس لغرفتها ... غسلت وجهها و توقفت عند باب غرفتها و تنهدت : آه ، سوف أنقل السرير إلى أسفل النافذة لأستيقظ على زقزقة العصافير و نزعت كل الصور عن الجدار و نقلت طاولتها من اليمين الى اليسار ... ثم توقفت أمام مرآتها و قالت : سأجرب اللون الأحمر بدلا من الأشقر و لابأس بقصة شعر جديدة , ممم ماذا عن ثقب آخر في  أذني ... توجهت نحو خزانتها و ارتدت ملابسها و انطلقت إلى صالون التجميل للتغيير ... لم تعرف نفسها أمام المرآة إنها المرة الأولى التي تصبغ شعرها بالأحمر و تقصه بهذه الطريقة ... سارت في الطرقات دون هدف إلى أن وصلت أمام حديقة للأطفال تسللت إليها و لعبت و كأنها طفلة صغيرة لم تتجاوز الخامسة ... تناولت المثلجات رغم برودة الجو ... أمضت اليوم كله كطفلة صغيرة ...

ملاحظة: تم نشر هذا المقال في مشروع قلم

Comments

Popular posts from this blog

رحيل اضطراري

الخريف

همسات الإنتظار

شكراً لكونك أنت